رواية الرائد الذى أسرني الفصل الثاني عشر 12 بقلم نور كرم


رواية الرائد الذى أسرني الفصل الثاني عشر 12
بقلم نور كرم


_عـــــــــــلــــــــي!!!
صرخةٌ مدوّية انفجرت من أعماق جوفها، محمَّلةٍ بكل ما يمكن للإنسان أن يشعر به من ألمٍ وفقد… وهي تراه أمامها غارقًا في دمائه، كأن الحياة انسحبت منه ببطء وهي عاجزة حتى عن اللحاق بروحه.
عادت تصرخ اسمه من جديد، بصوتٍ مكسور يائس يقطر رجاءً منطفئًا:
– "علي"… قوووووم… متسبنيش يا علي… أبوس إيدك!!!
آااااااااااه يا علــــــــــــــــي!!!

رمقه الآخر بنظرةٍ مشتعلة غليانًا، وكأنه خرج من حربٍ وانتصر فيها لتوّه… أطبق جفنيه بنشوة مريضة، ثم عاد يهدر بعنف:
– هاتـــوهــــــــــا!

أخذت تقاوم قبضاتهم العنيفة بكل ما يسكن جسدها من قوّة، لكن الألم الذي ضجّ في قلبها فاق قدرتها بأضعاف… كانت تصرخ وتنتحب، لكن لا أحد يسمع، ولا أحد يرحم.

جرّوها خلفهم إلى اليخت، بينما محاولاتها تتكسّر واحدة تلو الأخرى… ترجل "عاصم" و"ماركو" إلى داخل اليخت، وظلّت رجاله و"مرلين" على الميناء…

كانت تصرخ باسمه بجنون… عيناها لا تتوقفان عن ذرف الدموع، صوتها يتهاوى معها، يتهشّم… كأن كل صرخة كانت تخرج من قلبٍ يُسحق تحت وقع الحقيقة.
كيف عاشت اللحظة وهو يموت أمام عينيها؟
كيف ستعيش بعده؟
من تكون دونه؟
لا أحد… لا شيء… مجرد كسر يمشي.

– أصمتي… فل تصمتي جوفكِ هذا يا فتاة… وإلا اقتلعتُ رأسكِ بيدي!!!
صاح "ماركو" بفحيح، قبل أن تهوي كفّه على وجهها بقوة…
التفت رأسها نحو الجهة الأخرى، ملامحها مصدومة، شعرها مبعثر في كل اتجاه… قلبها انكسر، وروحها ماتت داخله لحظتها.
صرخت من الألم والقهر والغضب:
– قتلتوه ليه يا كافره… كل ده عشان هيكشف وساختكم!؟ قتلتوه ليه… ليــــــــــه!!!
ليه مش أنا؟ ليه هوووو مات بدالي؟… كان المفروض أنا اللي أموت… أنا السبب…
آااااه يا علي!!!

– قولت لكي اصمتي!!
زمجر بها، وكاد يصفعها مرة أخرى، لولا صوت "العاصم" الذي صدح بحدة:
– ماركوا… فل تصمت أنت!!

– ابتعد عنها!!
قالها بأمرٍ حاد، لترمقه هي بنظرة مشتعلة كرهًا… لم تجد إلا أن تبصق بوجهه، وتصرخ بسبابٍ يقطر ألمًا:
– قتلتوه يا ابن الكلب… قتلتووووه!!؟

انحرف وجهه إلى الجانب للحظة، ثم عاد بنظرة قاتمة وابتسامة ساخرة…
راقبها بعينين مضطربتين غضبًا وهوسًا، وقال:
– أنتِ عارفه لو حد غيرك يا هند كان عمل كده… كنت مخلِّتهاش تعيش لحظة كمان بعد كده!!!

آخر كلماته خرجت بغضب جعلها تنكمش للحظة، لكن عينيها ظلّتا ممتلئتين قوةً وكرهًا…
ماذا ستخسر بعد أن مات علي؟
لا شيء.
اقتربت منه بعينيها قبل كلماتها وهي تقول بفحيح موجوع:
– أنا مبتهددش يا عاصم الكلب… لأن أنا مرات علي الجبالي… عارف يعني إيه علي الجبالي؟
اللي أنت قدرت بيه وقتلتــوه…
وعلى فكره… أنا مبقاش عندي حاجه أخسرها… فحِتّة تقتلني دي مبقتش تهمني… خلاص…
اللي كان بيحمني راح… عقبالكم.
وزي ما قتلتوه… متفرحوش أوي… هييجي اللي يكسر فرحتكم… ويلبسكم كلكم الكلابشات… يا سيادة الوزير!!!

اشتعلت عيناه للحظة عند ذكر اسمه… كيف تجرؤ؟ كيف تنطق لقبه بهذا الشكل؟
تبدلت ملامحه من الغضب إلى ابتسامة مائلة بالوقاحة، ثم قال بعينين باردتين تحملان شيئًا يقترب من الهوس:
– حلو قوي شجاعتك دي…
بس متخافيش… مش هقتلك.
أنا هعمل الأوحش…
أنا هتجوزك… وأخليكي تحت رحمتي… يا "هند"!

– نجوم السما أقربلك يا عاصم الكلب…
هو اللي يحب علي الجبالي يعرف يشوف بعديه رجالة؟
يا شبه راجل إنت… وإللي وراك!!
صرخت بها بحدة وفخر، ثم أردفت:
– أحسنلك تقتلني…
عشان لو عشت يوم كمان… كلكم هتندموا…
وخبرك هينزل بكرة في صفحة الوفيات!!!

قهقه…
ضحكة لا تمت للمرح بصلة… عيناه معلقتان بها بجنون رجل يرى شيئًا يريد امتلاكه لا قتله.
ظلّ يتأمل عنادها، صوتها، قسوتها… ثم قال ببرودٍ وحبٍ مش twisted:
– نجوم السما أقربلك يا "هند" هانم…
وهتشوفي… مين فينا اللي كلامه هيتنفذ!!

– خدوها من وشي!!
صرخ بأمرٍ حاد.

أمسكها الرجال من ذراعيها، وهي ترفس وتصرخ وتبكي بقهر:
– هقتلك زي ما قتلتوه… وقسمًا بالله ما هرحمك يا عاصم الكلب!!!

قذفوها داخل الغرفة بعنف، ارتطم جسدها بالأرض بقسوة، لكنها نهضت فورًا…
اندفعت نحو الباب تضربه بقبضتيها بكل يأس العالم، تبكي بانهيار، وصوتها يتشرخ:
– طلعوني من هنااا…
طلعوني يا أووووباش!!!
طلعني يا عاصم الكلب!!!
مش هرحمك… هقتلك زي ما قتلتوووووه!!!
آاااااه يا علي… يا حبيبي…
مُت وسبتني ليه… ليه كده!!؟
يا عــــــــلييييي…
يا رب… يااااا رب!!!

•        •       •      •
ماذا ستفعل يا سيد" عاصم " الآن؟
"علي" قد مات… ماذا بعد ذلك؟
قالها "ماركو" بتساؤل خبيث، وصوتُه يتسلّل كسمّ بارد، بينما كان الآخر يتنهد بعمق، ناظرًا لموجات البحر الهادئ وكأنها تبتلع كل شيء… وضع يده في جيبه، وحدّة الظلام تنعكس على ملامحه، قبل أن يقول بنبرة غامضة تُنذر بالعاصفة:
_ يجب بأن أتخلص من عزّام... فإنه يشكّل خطرًا كبير علينا!!

ارتعشت سحنة "ماركو" للحظة قبل أن يتمتم بصوتٍ حاول جاهدًا أن يجعله ثابتًا:
_ مـ... ماذا ستفعل إذا؟ ستقتله!؟

جاءه صوت "عاصم" بعدها ببرود قاتل… برود لا يشبه البشر:
_ ستأجل التسليم... ولن نقول له. سنجعل الشرطة تقبض عليه هو... حتى لا يمسّنا الخطر. وأثناء دلفه إلى السجن… سأمرّ أحدًا بقتله فورًا!!

ارتفع حاجبا "ماركو" بنشوة شريرة، واتّسعت ابتسامته المبهرجة كأنها جرح مفتوح:
_ أووووه، ليهُو من تفكير ممتاز… قد مات علي، وأيضًا المقدام… وبعد ذلك عزّام. شيءٌ رائع!

لكن الكلمات ما إن خرجت منه حتى توقّف الهواء نفسه…
عاصم كان قد اقترب منه ببطء شديد، بخطوات تُشعرك وكأن الأرض نفسها تخشاه. مال عليه، حتى صار ظلّه يغطي وجه "ماركو"، وعيناه تشتعلان غضبًا مكبوتًا لا يُشبه أي شيء:
- أحمد ربك بأنني لم أقتلك انت أيضًا يا "ماركو"... بعدما حاولت أنت تقترب منها!!

تجمّد "ماركو" في مكانه، لحظته، قبل أن يسمع نبرة العاصم تتحوّل لصفعة من نار:
_ لكن أقسم لك… إن حاولت مجددًا، لن تحييه ثانية بعدها… وستموت على يدي أيها الفاشل!!

استدار "عاصم" بعدها، وأدار له ظهره بقسوة، وصعد للأعلى بخطوات ثابتة لا تسمح بالتفكير في اعتراضه.
أما "ماركو" فكانت عيناه تنقلبان بضجرٍ وحقد، وقد غلّفته نبرة صوته بوعيدٍ سام وهو يهتف من خلفه بصوتٍ خافت لكن يقطر سمًّا:
_ أعدك… بأنني أنا من سيقتلك… ولكن للصبر حدود يا وزيري الأحمق!

•     •       •       •
بعد مرور ساعات 
لمّ تتذوقهي بها طعم النوم، ولم تكُف عينها عن ذرف العبرات... كان جسدها يرتجف.. تشـعُر بأن روحها تسحب منها تدريجيًا وكأنها تعقبها على ذنبٍ لم تقترفه! 

وصل اليخت عن طريق مينا البحر الاحمر، طبوطٍ في مدينة "شرم الشيخ" بتحديد 
دلف إليها ذاك الحقير المدعو"عاصم" صافعًا الباب بحده جعلتها تتكئ علي نفسها خوفٍ... فلمّ يصدح براسها غير سؤالاً يتقطع عليه قلبها أربًا "فين أنتَ يا علي؟ إين إنتَ لتحميني منهم !؟" 

_ لدرجادي بتحبيه، لدرجة إنك مبطلتيش عياط من أمبارح!؟ 
قال بجفاء، لم يتابع بنبّرةٍ أشدّ بروده: 
- ده زمان دمه نشف وأنتِ لسه بتعيطِ يا عيني! 

رمقته بعينان تذرف دموع القهر، يتشكل به الأسي والالم والكره في آنٍ واحد لـ تصدح بوجهه بغضبٍ ناري: 
- أخرس يا كلب... متجبش سيرته علي لسانك الواسـ.."!! 

أشتعلت عينه بغليل، لـ يبلغ مكانه امامها بخطوةٍ واحده، يقبض علي خصلاتها بعُنفٍ حتي كادت تشعر بانه سيختلعها، لكنها لم تترنَّح ولم تتأوه حتي، القوة والتحدي تملئ عينها الحمراء، بمزيجٍ بين الألم الذي لم تطلقه والبكاء التي لم تكُف عن ذرفُـه

هز رأسها بقوة بينما انامله مزالت قابضه علي خصلاتها وهز يهدر بكره بوجهها: 
- بت إنتِ متختبريش صبّري أكتر من كده!؟ 
مش معنى إني مقتلتكيش إني، هسكت عليكِ وهي أهانتك دي... فخليكِ حلوة كده بدال وقسمًا بالله لقطعلك راسك الحلاوه دي!!! 

_ أعلى ما في خيلك أركبه، ولازم تعرف زي مقولتلك الافضل إنك تقتلني عشان أنا اللي هقتلك لو معملتهاش!
صاحت بفتورٍ يملئ عينها الغضب والتحدي، زمجر بوجهها بغيرةٍ تشتعل داخل مقتلاه حتي بعدما قتله لن يكُف طيفه الاسود عن مطاردته، ويذداد الأمر سواءً بتلك الغيره والحب الاحمق الذي يمتلكه تجاه تلك السليطه.. لماذا عشقها لا يعلم، كان يبحث عنها لا لقتلها بل لمتلاك قلبها والأن ماذا يرى... يرى ذاك الاحمق بعينها وتدافع عنه حتى آخر أنفاسها لا تهابه لا تهاب الموت وكانها قتلت معه أصلاً... لم يردّ عليها أكتفي بنظرات الحقد والغضب الذي جعلتها تتكئ علي نفسها لوهلا ظنت أنه سيفتك بها..!! 

رحل من امامها، وقبل ان يدلف خارج الغرفه هدر بحده: 
- أحنا وصلنا مصر... أكيد مش هتفضلي هنا!! 

رمقت طيفه بقهرً وهي توبخـه بسُباب، تكره الحظه التي رأته بها تكره كل شئ... تكره حياتها من دونه "لماذا مزلتُ حيه أنا!!؟" 

•        •       •       •
مرور يومين 
كانوا يمرو عليها مثل الدّهر...في منزل هند! 

أرتمَّت بين أحضان ولادتها وهي تبكي بأنهيار، بينما قبلتها امها بشتياق شاق...  
أشتياق أمّ كانت تتقطع كل يوم وبكل ثانيه بفراق فلذة كبدها.. تموت خوفًا لا تدري إذا ماتت أم مزالت حيه.. لقد كثر البعد وأشتاق القلب ودوبت بالحنين ظننتُ بأنني قد خسرتك ظننتُ بأنني لن أركـِ مرةٌ آخرى!! 

- وحشتني يا يا هند! وحشتني يا قلب ماما وحشتني!!! 
كان تهتف ببكاء شاق، تُّقبل كل أنشً بوجهها كفّيها... تضمها الي قلبها بعمق ولو عليها لـ تدخلها بين أضلعها حتى تضمن وجودها بعد الآن

- أنتِ... وأنتِ كمان يا ماما وحشتني، وحشتني اووووي... آااااه يا ماما كنت فاكره إنّي مش هقدار أشوفك تاني!! 
كانت تصرخ ببكاء بين احضانها وهي تدفن وجهها في عنقها، تبكي بهستريه.. ضمتها ولدتها بشدة، لـ تبتعد وترمق ذاك الماكث امامها وهي تمسك راحتيه بين كفيها وهتفت من بين عبراتها بنبرة أمتنان شاكره: 
- الف شكر لحضرتك... الف شكر إنك قدارت ترجعلي بنتي بيخير!! 

رمقها بأبتسامه جانبيه.. وهو يطالع الأخر بخبث وعاد يهتف بنبّرة جاده وابتسامه زائفه: 
- الشكر لله يا ست الكل... أنا وعدتك ووفيت وبنتك بين إيديكِ هنا... هقدارنا نخلص علي المجرم اللي خطافها! 

جحظت عينها بصدمه وهي تقترب منه كادت توبخه إلا انه قد سابقها بابتسامه سامجه وقال بهدوء: 
_ طب بعد إذنك أنـا بقا!، 
ومتنسيش اللي أتفقنا عليه يا طنط!

ذهب من أمام عينها الجاحظه،  لـ تعود وترمق ولدتها من جديد وقالت بغضب: 
- متفق معاكِ على إيه الواسـ... ده!؟ 

- كان جيه، ووعدني أنه هيرجعك بخير يا "هند"  وطلب إيديك مني وانا وفقت بعد مأكدلي أنك كمان بتحبيه!؟ 
قالت برتباك، وهي ترمق عينها الجاحظه بغضب تقسم بأن وزعته على بلده لـ يكفي ويفيض أيضاً! 

_ أنتِ بتقولي إيـه يا ماما!؟ إيه الجنان ده يتجوز مين... ده قتل جوزي قدام عنيا!! 
قتل "علي"  يا ماما قتله!! 
قالت ببكاء هستري وهي تلامط وجنتيها بقهر،  لـ تتسع عين ولدتها بدهشه قائله: 
- جوزك!!؟.... جوزك مين يا "هند"  أنتِ أتجوزتي مين وأمتي ده حصل وأنتِ أصلاً مخطوفه!؟ 

حدقتها الأخرى بعينان مُتسعه لا تصدق بأنها مزلت كما هي لم تلحظ إي شيئًا آخر، تقول لها بان زوجها قد قتل ولا يهمها غير ذلك الشئ، ظلّت تُطالعها بصدمه حتي هتفت بعدم تصديق: 
- هو ده بس اللي سمعتيه!؟ 
أتجوزت مين... أتجوزت الرائد "علي  "  اللي أنتِ فكره خاطفني وهو أصلاً كان بيحمني من الراجل اللي أنتِ عايزه تجوزهولي!!! 

هدرت أخر كلماتها بقهر، لـ تكمل بنبّرة يملأها الحسره: 
- أنتِ إزاي تقبلي بحاجه زي دي!؟ 
إزاي تقبلي أن أتجوز واحد لا تعرفيه ولا يعرفك... هو لدرحادي بيعه سهله عشان تعملي معايا كده لما جيه "شريف"  وقولت اردي يا بت وحبيته مكنتش بيردلي كل حبي غير خيانه وزفت وقرف... عايشه فيه ومستحمله وأنا بقول ويعني مين هيستحملك!؟ 
مين هيستحمل واحده زيك!؟ 

_ يبنتي أنـ...!!! 
كادت تهتف بتبرير، إلا أن الآخر أنفجرت بوجهها بإنهيار: 
- أنتِ إيه....؟ أنتِ إيه فهميني!؟ 
أنا عايزه جوزي اللي راح قدام عنيا!... أنا لسه عايشه ليه أصلاً وعشان مين ليه سابوني أنـا ليه مقتلونيش بداله ليه!!! 

- إهدي يا بنتِ إهدي وحياة ربنا ومتخوفنيش عليكِ!! 
قالت "ناريمان" بهدوء مرتبك، يتألم قلبها عليها وبشدة تلخظ كام تنقهر من داخلها عليه ترى... كيف يتألم صوتها ويصدح منكسراً بمطلبًا يأس!
لنّ يفيدها بشيئًا،! 

انقهرت باحضان ولدتها وهي تصدح باسمه عاليًا برجاءٍ يأس ولكن عله أن ينتشلها من احزانها تلك على تلك الامنيه تحقك... فربي رب الخير وهو القادر! 

- آه يا ماما... أنا تعبانه أوي تعبانه أوي من غيرو أنا بموت يا مامافي الحظه مليون مره بموت!!! 
كان حنين عليا أوي كان بيحبني أوي... ووعدني أنه هيعملي فرح وهيعزم كل العيله وهنفرح من تاني... بعد. كل ده مات بالغدر... 
مات قدام عيني يا ماما مقدارتش أحميه زي مكان بيحميني... مقدارتش أودعه واقوله إني بحبه حتي... ملحقتش... آاااااه يا أمي حاسه بأن قلبي هيتخلع من مكانه... حاسه أنت روحي بتروحي.. يا رب خودنّي يا رب خودني ليه مش عايزه الحياة مش هتبقا حلوه من غيرو أكيد يا رب!!! 

- أستغفر الله العظيم يا رب... إهدي يا قلب أمك متوجعنيش عليكِ أكتر من كده، إهدي واستغفري ربنا!! 
قالت من بين تنهيدة حاره، وكان الهواء نفسه اصبح ثقيلًا علي صدرها يؤالمها وبشدة وهي تلحظها بتلك الحالة المُذريه!!! 

•      •        •        •
وفي نفس الليلة…
حين خيّم الصمت على المكان، ولم يعلُ شيء فوق صوت قلبها الذي يجلدها بلا رحمة، وكأنها هي مَن دفعت به إلى الموت بيديها. كان شعور الذنب ينهش روحها، يقنعها بأنّها السبب… بأنّها لولا وجودها في حياته، لولا حبّه الذي فضح أماكن ضعفِه، لما انكشف أمره… لولا أنه أختطغها،و اندفع  ليحميها لما دفع حياته ثمنًا الآن.

كانت تنكمش على نفسها كجنينٍ يعود إلى رحم أمه يبحث عن الأمان الذي رحل… تبكي، وتنهار، وتشهق بصمتٍ خانق. صرخاتها تشتعل داخل صدرها ولا يسمعها غير عقلها الذي لا يتوقف عن تأنيبها على وجودها في حياته…
لآلاف المرّات فكرت في إنهاء كل شيء… لكن شيئًا ما كان ينتشلها في كل مرة، يُجبرها على البقاء. كانت ترجوه في خيالها أن يعود، يرجع إليها، حتى لو كان صوتًا متوهمًا برأسها، يكفيها أنه هو… أنه حاميها الوحيد.

الآن فقط تتوالى ذكرياتهم عليها كأنها لقطات تُعرض فوق قلبها مباشرة… مؤلمة، لكنها تتمنى لو يعود يوماً واحداً إلى حضنها، بدلاً من هذا البعد القاسي الذي يفصل بينهما!

لم تعد تعلم متى يأتيها الموت… متى يأخذها نحوه، وكأنها تنتظره وكأنه باب خلاص لا تخشاه. وفي هذه اللحظة بالتحديد، ارتفع في رأسها وعدُه القديم، كأن صوته عاد للحياة داخلها:

– "صدقيني يا هند… أنا عمري ما هسمح لحد يأذيني ولا يأذيكِ.. وهنرجع، وهنعمل فرح، وهنلمّ عيلتنا كلها… وهنفرح…
هقبض عليهم كلهم، محدش يقدر يلمسك!!"

عادت من ذكرياتها، والوجع يعتصر صدرها… ذاك الوعد الذي لم يتحقّق، وذلك الحضور الذي غاب قبل أن يكمله.
همست بألمٍ يقطّع الروح، وكأنها تعاتبه رغم غيابه:
– آه… يا علي…
عجبك دلوقتي حالي من غيرك؟
عجبك وجعي وروحي اللي بتطلع في غيابك؟
ده مكنش وعدك ليا…
إنت قولتلي هنرجع، قولتلي مستحيل تسمح لحد يأذيك ويأذيني… وسمحت!
واذّيتني… أذتني لما مشيت وسبتني لوحدي!
ليه مخدتنيش معاك؟
ليه وجعتني وفتّحت كل جروحي بعد ما ضمّدتها وطمنتني… ليه؟
ليه سبتني؟!"

كان سؤالها ممزوجًا بالحيرة والكسرة… كسرة فقدان تتجدّد للمرة الألف في قلبها.
بكت… وبكت كما لو أنها تحاول تفريغ روحها من ثقل لن يخفّ. ومن يقول إن إنسانةً بهذا الألم يمكنها النوم؟ أو حتى طلبه؟
لا حياة… ولا نوم… ولا سعادة دون علي.

• • • •

في تركيا…
في أحد البيوت المنعزلة عن المدينة، كان هو ممدّدًا على سرير صغير، لا يعلو فوق صوت الأجهزة التي تُعلن أنفاسه الأخيرة ببطء… كأن الحياة تشده من طرف، والموت من طرف آخر.

كانت "مرلين" تجلس أمامه، عيناها حمراوان من السهر والبكاء. قبضت على أصابعه، وضمّتها إلى صدرها، والدموع تتساقط بصمتٍ موجوع لا يقطعه شيء.

وفجأة… دون سابق إنذار، تحركت أصابعه ببطء.
خرجت من صدره هلوَسة متقطعة بالكاد تُسمع:
– هـ… نـ… د!!!

لم تفهم… نظرت إليه بدهشة تشتعل بداخلها كالنار، ثم ارتسمت الفرحة على ملامحها، كأن روحها عادت لمكانها.
مسحت دموعها بسرعة، ورفعت رأسها نحوه هامسة بصدمة:
– "علي"… مزلتُ حيً؟!
علي… هل تسمعني ؟!

فتح عينيه أخيرًا… نظرة تائهة بين الوعي واللاوعي قبل أن يهمس بصوتٍ ضعيف:
– أنا… فين!؟

يتبــع…


تعليقات
×

للمزيد من الروايات زوروا قناتنا على تليجرام من هنا

زيارة القناة